Wednesday 18 August 2010

رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشار الأسد - غياث المدهون

سيادة الرئيس السوري بشار الأسد: اسمي غياث المدهون، وأنا شاعر وصحافي فلسطيني من قطاع غزة، ولدت في مخيم اليرموك في سورية عام 1979 لأب فلسطيني وأم سورية، وعشت ونشأت ودرست في سورية، ثم غادرتها وأنا أحاول منذ سنتين الحصول على اللجوء في السويد.
كلنا نعرف أن اللاجئين الفلسطينيين في سورية ' الفلسطينيين السوريين كما يطلق عليهم' والذين يقارب عددهم 600 ألف لاجئ يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون السوريون من حق الإقامة والتنقل في الأراضي السورية إلى حق العودة إلى سورية دون تأشيرة دخول، إلى حق العمل في الوظائف الحكومية والخاصة، إلى حق التملك وهو مماثل لحقوق التملك بالنسبة للسوريين باستثناء تملك المنازل ' يسمح بعقار واحد بالنسبة للفلسطينيين'، بالإضافة إلى أنهم يحصلون على كافة الأوراق والوثائق الثبوتية التي يحصل عليها المواطنون السوريون من جوازات السفر الصادرة عن دائرة الهجرة والجوازات السورية، إلى الهويات الشخصية التي تخولهم بالتعريف عن أنفسهم، إلى حصولهم على دفتر عائلة لتسجيل الزوجة والأبناء... الخ، وباستثناء حق الترشح لانتخابات مجلس الشعب السوري أو لانتخابات الرئاسة أو حق الاقتراع في الانتخابات وهي من حق المواطنين السوريين فقط فإنهم لا ينتقص من حقوقهم المشروعة أي حق، بل إن سورية أصبحت مضرب مثلٍ للتعامل العادل مع اللاجئين الفلسطينيين بالمقارنة مع الدول العربية الأخرى.
وبالكفة المقابلة فإن على اللاجئين الفلسطينيين تأدية نفس الواجبات التي يؤديها المواطن السوري بلا استثناء بما فيها خدمة العلم في جيش التحرير الفلسطيني التابع للقوات المسلحة السورية ' الخدمة العسكرية الإلزامية' وتنطبق عليهم كافة القوانين التي تنطبق على السوريين، وهم يعيشون مع السوريين وبينهم، أسوةً بهم، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم.
هذا ما منحته الحكومة السورية للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من مدنهم وقراهم إبان نكبة عام 1948 ولجؤوا إلى الأراضي السورية، وهذا الأمر ليس غريباً أو مستغرباً عن الشعب السوري الذي قدم الكثير من الدماء والشهداء لنصرة القضية الفلسطينية ولنصرة الشعب الفلسطيني في نضاله للتحرر بالإضافة للدعم المادي والمعنوي والسياسي حكومة وشعباً لفلسطين وللقضية الفلسطينية عدا عن إيمان الشعب السوري العميق بعدالة هذه القضية والذي لا يستطيع أحدٌ أن يخفيه.
سيادة الرئيس: هناك فئة صغيرة من الفلسطينيين لم ينتبه لهم أحد لصغر عددهم، وهم الفلسطينيون الذين هجروا من أرضهم إبان نكسة عام 1967، والذين وصلوا إلى سورية بعد هذه الحرب، أو الذين أتوا إليها من الأردن بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970، ومنهم والدي الشاعر والصحافي راسم المدهون، فإنهم منسيون ولم يسمع بهم أحد، حتى في التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة لا يوجد ذكر لهم، وهم محرومون من كافة الحقوق المدنية، فهم لا يملكون هويات للتعريف بأنفسهم، ولا جوازات سفر، ولا يحق لهم إصدار إقامة، أو تملك منزل، ولا يمكن لهم الحصول على وظيفة حكومية أو قرض، أو تسجيل اسمهم في جمعية سكنية، وليس لهم الحق بإصدار شهادة سوق للمركبات العمومية، وإذا استطاعوا مغادرة سورية بطريقة أو بأخرى فليس مسموحاً لهم العودة إليها، وغالبيتهم يعيشون ظروفاً لا يتمناها المرء لعدوه، منسيين ومهمشين، والذنب الوحيد الذي اقترفوه هو أن إسرائيل لم تحتل مدنهم في نكبة عام 1948، إنما احتلتها في نكسة عام 1967.
لقد كانت معاناتي ومعاناة عائلتي في سورية كبيرة، فلم يكن بإمكاننا الحصول على وظيفة حكومية، والوظائف الخاصة كانت ترفضنا لأن الأولوية للسوريين ومن بحكمهم 'أي الفلسطينيين السوريين'.
أما في السفر بين المدن فكان رجال الشرطة يطلبون هويتي حين أهم بركوب الحافلة، وحين كنت أخبرهم أنني لا أملك هوية لأنني فلسطيني كانوا يقولون لي أن الفلسطينيين يملكون هويات مؤقتة للاجئين، كنت أحاول أن أشرح لهم أننا لسنا فلسطينيين سوريين وأننا من قطاع غزة، وأنه من الغريب أن ترفض منح أحد المواطنين هويةً ثم تقوم بإيقافه لأنه لا يحملُ هوية ولكن دون فائدة، فمن النادر أن تجد شرطياً سمع بنا، وكانت تنتهي القضية في أهون الحالات بإنزالي من الحافلة وفي أسوئها فإن الاحتمالات مفتوحة. وكنت أخاف أن أمشي في الليل كي أتحاشى أن تطلب دورية شرطة أو أمن هويتي.
حصلت على أول جواز سفر لي قبل سنتين عن طريق البريد، لأنه لا توجد سفارة فلسطينية في سورية كباقي دول العالم، وهو جواز غير معترف به لأنه لا يحمل الرقم الوطني، وهذا الرقم الوطني لا تمنحه المخابرات الإسرائيلية إلا لمن ولدوا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأنا ولدت في سورية.
أنا ولدت في سورية ولم أعرف غيرها، نصفي سوري لأن أمي مواطنة سورية، وفلسطيني لأن أبي فلسطيني، لم أرتكب أي ذنب، سوى أنني من قطاع غزة.
لقد هربت إلى السويد وطلبت اللجوء، ولكن عائلتي هي ومئات العائلات التي لجأت إلى سورية بعد النكسة ما زالت في سورية تعاني حرمانها من الحقوق المدنية دون أن يسمع بها أحد.
سيادة الرئيس السوري بشار الأسد، أكتب إليك هذه الرسالة لأن مواقفك تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني معروفة للجميع، ولا يستطيع أحد أن يجد مكاناً يتمتع به الفلسطينيون بحقوقهم مثل سورية، ولكن هناك فئة صغيرة تعاني منذ 43 سنة وأريد تسليط الضوء عليها، وكل ما أريده ويريده الفلسطينيون في مثل حالتي وحالة أهلي هو أن يعاملوا أسوةً بغالبية الفلسطينيين في سورية وهم على بعضهم لا يتجاوزون المئات، وكلي أمل وثقة بأنهم سيمنحون كافة حقوقهم بعد اطلاعك على قضيتهم.
 
ستوكهولم، السويد، آب (أغسطس) 2010